هل فعلا عيشة قنديشة حقيقية؟
عيشة قنديشة في الثقافة المغربية
تتضارب الروايات و الحكايات حول عيشة قنديشة أو "تاغزنت" و التي تعني المتوحشة بالأمازيغية، و في إعتقاد غالبية الأمازيغ فإن تاغزنت أو عيشة قنديشة هي أرملة قامت بإرتكاب الفاحشة "الزنى" أثناء عدة وفاة زوجها "اربعة أشهر و عشرة أيام" ثم مسخها الله و حولها إلى امرأة وحش. عيشة قنديشة في المخيل الأمازيغي إذن هي امرأة منبوذة من المجتمع ملعونة من طرف الله. تعيش عيشة قنديشة في الغابات و الجبال و المناطق المهجورة و لا تظهر إلا في الليل حسب إعتقاد المغاربة، حيث تلجأ إلى التربص بالرجال بغية الإنتقام منهم لما لحقها من الانتقام الإلهي. تستغل عيشة قنديشة قدرتها على التخفي و إظهار جمال خلاب يأسر الرجال و تذهب بهم إلى وكرها من أجل إلتهامهم. و تضيف هذه الحكايات الشعبية أن عيشة قنديشة أو تاغزنت تكون في الطرقات الليلية من أجل إغواء ركاب السيارات، و يعتقد الكثير من المغاربة أنه يمكن التعرف على عيشة قنديشة إنطلاقا من رجليها الذين يشبهان أرجل البقرة أو أرجل الجمل. و تتميز عيشة قنديشة كذلك كما يصفها الكثيرون بمجموعة من الصفات الخارقة للطبيعة كالسرعة الفائقة بالإضافة إلى تقليد الأصوات، حيث يمكنها المناداة عليك بإسمك و ذلك باستعمال صوت أمك مثلا.في هذا الموضوع حول "هل فعلا عيشة قنديشة موجودة" سنحاول تسليط الضوء على هذه الشخصية العجيبة من إجل إظهار مدى واقعية هذه التمثلات الشعبية فتابع معنا الموضوع إلى أخره لتخرج إن شاء الله مقتنعا بحقيقة عيشة قنديشة.
حكايات لأناس نجوا من هجمة عيشة قنديشة او تاغزنت
كانت جدتي رحمها الله تؤكد على وجود تاغزنت و تقول بأنها شاهدتها ذات مرة من بعيد تسير بسرعة فائقة و تجر معها الكثير من الأشياء التي يتناثر حولها شظايا نيران، و جدتي تقسم بالله بأن ما شاهدته لم يكن إنسان أو حيوان بل مخلوق غريب الشكل تنطبق عليه صفات عيشة قنديشة.تحكي لنا جارتنا عن والد جدها التي نجاه الله من عيشة قنديشة، حيث كان دائم الإستيقاظ في أيام الصيف الحارة قبل الفجر للذهاب إلى بستانه الذي يبعد عن القرية بحوالي كيلومترين، حيث كان يصلي صلاة الفجر في البستان، لكن هذه المرة وجد في بستانه امرأة فاتنة الجمال و نادته بإسمه و بصوت عذب حنون، فتوجه مباشرة إليها دون إرادته، لكن فجأة سمعت صوت أذان الفجر ومعه صرخت عيشة قنديشة صرخة قوية ظهرت معها أبشع امرأة شاهدها في حياتها بأرجل طويلة كأرجل البقرة، وقالت له بالكلمة " لقد نجاك الله مني لكن لن تهرب مني مرة أخرى" ثم هربت و منذ ذلك الحين وهو يتجنب الخروج في الظلام و لا يخرج إلى بستانه إلا بعد شروق الشمس.
حكاية أخرى نسمعها كثيرا في قريتنا أن شيخا كان دائما التجوال بين القرى و الدواوير البعيدة يجمع الصدقات من المحسنين و في إحدى الليالي التقى بامرأة تبكي وهي جالسة وسط الطريقة فاقترب منها شيئا فشيئا بالرغم من أن حصانة رفض الإقتراب و كان يصدر أصوات غريبة. و فجأة ظهرت له بعض تفاصيل رجليها التي تشبه أرجل البقرة او الجمل ففر هاربا بحصانه و كانت تجري وراءه بسرعة عجيبة و كلما اقتربت غرست مخالبها الطويلة في ظهر الحصان ممزقة لحمه و هكذا حتى اقترب من قرية استيقظ اهلها لصلاة الفجر فتراجعت عيشة قنديشة عن اللحاق به و ما إن وصل إلى القرية حتى سقط الحصان ميتا، و من شدة تعلقه بذلك الحصان الذي أنقذ حياته قرر أن يدفنه وسط منزله ليتذكره دائما.
عيشة قنديشة في الكتابات التاريخية:
تتحدث بعض الكتابات التاريخية أن عون كون عيشة قنديشة شخصية أدمية حقيقية وهذه المرأة اسمها عائشة و هي من عائلة موريسكية نبيلة "المسلمين الذين فرو إلى المغرب من الأندلس" وقد أطلق عليها البرتغال عائشة الكونتيسة Contessa Aicha و تعني الأميرة عائشة و كانت تعيش في قرية معزولة أمنة غير أن البرتغال قاموا بغزو قريتها و قتلوا عائلتها كلها و كل من تحب و نجت من الموت بأعجوبة.قررت عائشة الكونتيسة الإنتقام من الجنود البرتغاليين وزرع الخوف الشديد في نفوسهم، لذلك قررت العيش بعيدا عن أعين الناس، و على جوادها تقتنص الفرص و تغوي الجنود البرتغاليين بجمالها ثم تقودهم إلى حتفهم، و تستعمل عائشة الكونتيسة طرقا وحشية جدا للقتل و لتمزيق الضحايا و ذلك بغية زرع الرعب في نفوس الجنود الذين سيعاينون الجثة. و بالفعل فقد تناقل الجنود قصص عائشة الكونتيسة و وصفوها بأنها جنية و لست بشرا.
عيشة قنديشة في الدين الإسلامي:
تنبني شخصية عيشة قنديشة او تاغزنت في التراث المغربي على واقعة دينية و هي عدة الأرملة "حق الله" و الذي يتمثل في أربعة أشهر و عشرة أيام، حيث ترتدي الأرملة ملابس بيضاء و تغطي جميع جسمها "حتى التي كانت غير ملتزمة دينيا قبل ذلك" و تجلس في بيت زوجها او عائلتها ولا تخرج إلا للضرورة الملحة. في حالة إرتكاب هذه الأرملة لفاحشة الزنى فإنها تعاقب باللعنة الإلهية ، على الأقل هذا ما تقوله الروايات.لكن هل فعلا هناك شيء اسمه عيشة قنديشة في الإسلام؟
لا توجد أي أية قرآنية أو حديث نبوي صحيح يؤكد صحة شخصية عيشة قنديشة أو تاغزنت، ولا توجد أي دليل على أن الله يقوم بمسخ المسلمين في الدنيا و يحولهم إلى وحوش.
أسئلة عقلية تكذب وجود عيشة قنديشة كما تروى في التراث الشعبي:
لماذا سيمسخ الله تعالى الأرملة التي زنت في عدة وفاة زوجها "حق الله" ولا يعاقب التي تزني ليل نهار و بدون زواج؟إذا كان الله قد مسخ الأرملة و تحولت الى عيشة قنديشة عقابا لها، فما ذنب الأشخاص الذين تصطادهم و تأكلهم؟ ما ذا فعلوا ليستحقوا السقوط بين يدي ذلك الوحش؟ إذا كان الله يريد معاقبتها لماذا لا يرميها في النار؟ فتحويل ارملة الى عيشة قنديشة هو عقاب لنا جميعا وليس عقابا لها لأنها تستمتع بحياتها و تأكل من يوجد في طريقها..!!!
لماذا توجد عيشة قنديشة بنسختها المغربية في المغرب فقط و لا توجد في جميع البلدان العربية و المسلمة الأخرى؟
لماذا لا يعاقب الله تعالى كذلك نساء اليهود و النصارى و يحولهم إلى وحوش؟
هل يمكن لعيشة قنديشة إن وجدت ان تسير برجلين فقط من أرجل البقرة؟ هل يمكن تصور البقرة تمشي على رجلين فقط دون وقوعها؟
هل فعلا عيشة قنديشة حقيقية؟
يتضح من جميع المعطيات أعلاه أن لا دليل ديني أو تاريخي أو عقلي على وجود ما يسمى بعيشة قنديشة أو عيشة الكناوية أو عيشة مولات المرجة أو عيشة السودانية أو تاغزنت أو تكمارت اسمضال كما يرويها التراث الشعبي، غير أنه لا يمكن كذلك نفي إمكانية رؤية الجن و الله أعلم.